Monday, October 30, 2023

مقتطفات من الفصل الأول "مثلث برمودا"، من كتاب: «عندما يقول الجسد لا» - جابور ماتيه


«إن عملية ربط الأشياء معًا هي التي يمكن أن ترتقي بنا
إلى الفهم الحق والتقدُّم الحقيقي».

- هانز سيلي، طبيب ومؤلف كتاب «ضغط الحياة»
 ***
ملاحظة للقارئ
 
لطالما عرف الناس بفطرتهم أن العقل والجسد لا ينفصلان. جاءت الحداثة وجلبت معها شقاقًا مؤسفًا، انفصالًا بين ما نعرفه بكياننا كله وما يتقبله عقلنا المفكِّر كحقيقة. ومن بين هذين النوعين من المعارف غالبًا ما ينتصر النوع الأخير، الأضيق نطاقًا، لسوء الحظ.

لذلك يسرُّني ويشرِّفني أن أضع بين يدَي القارئ اكتشافات العلم الحديث التي تؤيد مبادئ الحكمة القديمة. كان ذلك هدفي الأساسي من تأليف هذا الكتاب. أما الهدف الآخر فكان أن أرفع مرآة في وجه مجتمعنا القائم على الضغط النفسي، حتى نعرف إلى أي مدى نساعد، بطرق لا إرادية لا حصر لها، في تفشِّي الأمراض التي ابتُلينا بها.

هذا ليس كتابًا للوصفات الطبية، لكني آمل أن يكون بالنسبة إلى قارئه محفزًا للتحوُّل الشخصي. فالوصفات تأتي من الخارج، أما التحوُّل فيبدأ من الداخل. يصدر كل عام العديد من الكتب التي تضم وصفات بسيطة من مختلف الأنواع، جسدية وعاطفية وروحية، ولا أنوي إضافة كتاب آخر إلى تلك القائمة. تفترض الوصفات أن هناك شيئًا بحاجة إلى إصلاح، أمَّا التحوُّل فيحفِّز عملية التعافي –بلوغ السلامة والكمال– لما هو موجود بالفعل. وفي حين أن النصائح والوصفات قد تكون مفيدة، فالأهم بالنسبة إلينا هو إدراكنا لأنفسنا ولطريقة عمل عقولنا وأجسادنا. عندما يولد ذلك الإدراك من سعينا وراء الحقيقة، يمكنه أن يستحث التحول.
**** 

 

1-مثلث برمودا

- كلما أتقن الطبيب تخصصه، زادت معرفته عن جزء أو عضو معين من الجسم وقلَّ فهمه للإنسان الذي يسكن فيه هذا الجزء أو العضو.
 **
 
- كتب إيفان إيليتش في كتابه «حدود الطب» قائلًا: «ما يخبرنا به الطب عن التعافي والمعاناة والموت يعادل ما يخبرنا به التحليل الكيميائي عن القيمة الجمالية للفخار».
**
 
- في عام 1892 اشتبه الكندي ويليام أوسلر، وهو أحد أعظم الأطباء على مر العصور، في أن التهاب المفاصل الروماتويدي –حالة مرتبطة بتصلب الجلد– هو مرض ناجم عن الضغط النفسي. ورغم الأدلة العلمية الداعمة التي تراكمت على مدار 110 سنة منذ نشر أوسلر رسالته، فما زال طب الروماتيزم اليوم شبه رافض لتلك المعرفة. هذا هو ما آلت إليه مهنة الطب بفضل النهج العلمي الضيق. في نهوضنا بالعلم الحديث ليكون الحَكَم الفيصل في معاناتنا، حرصنا أكثر مما ينبغي على التخلص من تجليات العصور السابقة.
 **
 
- جاء في المقالة الافتتاحية لعام 1985 بمجلة نيو إنجلاند الطبية: «النظر إلى المرض والموت كإخفاقات شخصية هو شكل بغيض من أشكال إلقاء اللوم على الضحية. ففي الوقت الذي ينوء فيه المريض بعبء المرض، لا ينبغي لأحد أن يُثقِل كاهله ويجبره على تقبُّل كونه مسؤولًا عما أصابه.
 
تخلط مقالة نيو إنجلاند الطبية بين اللوم والمسؤولية، ففي حين أننا جميعًا نخشى اللوم، فإننا جميعًا نرغب في أن نكون أكثر مسؤولية، أي أن نقدر على الاستجابة بوعي لظروف حياتنا بدلًا من مجرد التكيُّف. كلٌّ منا يريد أن يكون صاحب السلطة في حياته: المسؤول، القادر على اتخاذ قرارات سليمة فيما يؤثر فيه. لا توجد مسؤولية حقيقية من دون وعي. أحد مَواطن الضعف في النهج الطبي الغربي هو أننا جعلنا الطبيب صاحب السلطة الوحيدة، ولا يتعدى المريض في الغالب كونه متلقيًا للعلاج أو الدواء. لقد سُلِب الناس فرصتهم في أن يكونوا مسؤولين حقًا. لا يمكن لأحدٍ منا أن يُلام على ابتلاء بالمرض أو الموت. فقد نُبتلى جميعًا في أي وقت، ولكن كلما تعلمنا المزيد عن أنفسنا، قل خطر أن ينتهي بنا الحال ضحايا سلبيين.
 **
 
- في إحدى محاورات أفلاطون، يقتبس سقراط استنكار أحد الأطباء الإغريق في تراقيا لزملائه قائلًا: «لهذا السبب لم يكتشف بعد أطباء هيلاس علاج العديد من الأمراض؛ إنهم غافلون عن الصورة الكبرى. إن أطباء العصر يرتكبون خطأً جسيمًا في علاجهم لجسم الإنسان، وذلك بفصلهم العقل عن الجسد».
**
 
- الضغط المصاحب للامتحانات واضح وقصير المدى، لكن العديد من الناس يقضون حياتهم بأكملها عن غير قصد كما لو أنهم تحت أنظار ممتحِنٍ عنيف ومتصيد للأخطاء، عليهم إرضاؤه بأي ثمن.
 **
 
- أحد مرضاي الميؤوس من شفائهم كان رجلًا في منتصف العمر، رئيسًا تنفيذيًّا لشركة تروِّج لغضروف سمك القرش على أنه علاج للسرطان. بحلول الوقت الذي أُدخِل فيه إلى وحدتنا، كان السرطان الذي شُخِّص به مؤخرًا قد انتشر في جميع أنحاء جسده. ظل يأكل غضروف سمك القرش حتى يوم وفاته تقريبًا، لكن ذلك لم يكن بسبب إيمانه بقدراته الشفائية. كانت رائحته كريهة –نتنة لدرجة أن المرء ليلاحظها من مسافة بعيدة– ولم يسعني إلا تخيُّل مذاقه. أخبرني قائلًا: «أنا أكرهه، لكن شريكي في العمل سيُصاب بخيبة أمل كبيرة إذا توقَّفتُ عن أكله».

أقنعته بأن لديه كل الحق في أن يعيش آخر أيامه دون تحمُّل مسؤولية خيبات أمل شخص آخر.
 **
 
- سرتُ بعرج طفيف في رواق دار الرعاية. كنت قد خضعت في ذلك الصباح لعملية جراحية بسبب تمزق غضروفي في الركبة، حدث نتيجة تجاهلي لما كان يقوله لي جسدي بلغة الألم كلما ركضتُ على الأسمنت.
 
- فتحت باب غرفة والدتي، وإذا بي أتوجه تلقائيًّا إلى فراشها بخطوات سريعة طبيعية غير عابئة بالألم لتحيتها. الدافع لإخفاء العرج لم يأتِ عن وعي، وانجرافي وراء الدافع حدث قبل حتى أن أدرك. ثم في وقت لاحق تساءلت عما ساقني بالضبط إلى هذا التصرف غير الضروري؛ غير ضروري لأن والدتي كانت لتتقبل بهدوء أن ابنها البالغ واحد وخمسين عامًا يعاني بسبب ساقٍ عرجاء بعد مرور اثنتي عشرة ساعة فقط من خضوعه للجراحة فيها.

إذن ما الذي حدث؟ كان دافعي التلقائي لحماية أمي من رؤية ألمي، حتى في تلك الحالة غير الضارة، هو رد فعل متجذر بعمق ولا علاقة له بالاحتياجات الراهنة. ذلك القمع كان ذكرى، استحضار لديناميكية جرى حفرها في عقلي النامي قبل أن أقدر حتى على إدراكها.
 **
 
- تعلَّمتُ مبكرًا أن عليَّ أن أبذل جهدًا لنيل الاهتمام، وألا أثقِل على والدتي قدر الإمكان، وأن الأسلم هو أن أقمع قلقي وألمي.

في التفاعلات الصحية بين الأم ورضيعها، تكون الأم قادرة على رعاية الرضيع دون أن يبذل جهدًا من أي نوع مقابل ما يتلقَّاه. لم تستطع أمي توفير تلك الرعاية غير المشروطة لي، ونظرًا إلى أنها ليست قديسة أو معصومة من الخطأ، فالأرجح أنها لم تكن لتنجح كليًّا في ذلك، حتى من دون الأهوال التي عانتها عائلتنا.

وفي ظل هذه الظروف أصبحت حاميًا لوالدتي، أحميها في المقام الأول من الوعي بألمي. ما بدأ كتأقلم دفاعي تلقائي للرضيع سرعان ما تجمد ليصبح نمط شخصية ثابتًا، حتى إنه لم يزل يسوقني بعد واحد وخمسين عامًا إلى إخفاء حتى أدنى مشاقِّي الجسدية عن أمي.
**
 
ظلت محتفظة بابتسامتها الرقيقة حتى النهاية، رغم ضعف قلبها وصعوبة تنفسها. كانت تطلب مني بين الحين والآخر تحديد مواعيد لزيارات طويلة خاصة، حتى في المستشفى خلال أيامها الأخيرة. لم تكن تريد سوى الدردشة، حول الأمور الجادة والتافهة على السواء. قالت لي ذات مرة: «لم ينصت لي أحدٌ قط سواك».
****



 

 

Monday, October 23, 2023

السنجاب نام ومرَّت الأفعى بسلام

لم تصدق عالمة سلوك الحيوان باربارا كلوكاس نفسها عندما رأت الحية تمر بجوار جحر سنجاب الصخور النائم ولا تدس رأسها في الجحر لتفترسه.

فالسنجاب هو الوجبة المفضلة لهذا النوع من الأفاعي، وهي تدخل معه ـ عندما يكون مستيقظا ـ في معارك شرسة لتنال وجبة من لحمه الشهي، فماذا حدث لتتركه وهو نائم يفلت منها، وتضيع عليها وجبة شهية سهلة من طعامها المفضل؟!

فكرت العالمة باربارا كلوكاس وفكرت، لكنها لم تصل لحل اللغز، فقررت أن تراقب الأفعى وتراقب السنجاب لعلها تكتشف السر. قسمت فريق العمل معها إلى فريقين، أحدهما يراقب الأفعى، والآخر يراقب السنجاب. وكانت المراقبة تتم من بعيد بمناظير قوية لاتثير انتباه الحيوانات.

لم يكتشف الفريق الأول الذي يراقب الأفعى أي شيء غريب في سلوكها المعتاد. أما الفريق الثاني الذي يراقب السنجاب ـ وكانت معه العالمة باربارا ـ فقد لاحظ شيئا مدهشا يفعله السنجاب ويُكتشف للمرة الأولى...
 
© Cindy McIntyre


لقد شاهدوا السنجاب، بعد أن استيقظ من نومه الهانئ، يتتبع الأفاعي بحذر، وعندما يرى واحدة منها تقوم ـ كعادة الأفاعي ـ بالانسلاخ من جلدها القديم يمسك أنفاسه حتى تنتهي من مهمتها. يتركها تمضي مبتعدة مزهوة بجلدها الجديد اللامع، ثم يخرج السنجاب من مكمنه ويسرع إلى الجلد القديم الذي انسلخت عنه الأفعي، يمضغه قطعة بعد قطعة، وكلما مضغ قطعة يقوم بلعق فرائه، من طرف الذيل حتى أقرب مكان يستطيع أن يصل إليه لسانه، فلا يترك مساحة صغيرة من هذا الفراء إلا ويشملها بلعابه المختلط بجلد الأفعى.

Golden-mantled ground squirrel © Cindy McIntyre


«حيلة رائعة» هتفت العالمة بربارا وهي تراجع الفيلم الذي صوره فريقها من متابعي السنجاب، ونشرت مجلة «سلوك الحيوانات» هذا الاكتشاف الجديد الذي يكشف سر مرور الأفعى بجحر السنجاب النائم من دون ان تفتك به. فرائحة جلد الأفعي التي وزعها السنجاب على فرائه عبر لعابه، جعلت الأفعى - وهي ضعيفة النظر وتعتمد على الروائح والاهتزازات في تمييز غيرها - تظن أن هناك أفعى مثلها نائمة في الجحر، فتتركها وتمضي في سبيلها. 
 
ونجحت حيلة السنجاب الذي استمتع بلذيذ النوم... وأجمل الأحلام...
 
© Cindy McIntyre


د. محمد المخزنجي
مجلة العربي الصغير، العدد 190 - يوليو 2008 






Sunday, October 22, 2023

دائمًا سنوبول

وفجأة فى بداية الربيع حدث أمر مزعج؛ فقد أشيع أن سنوبل اعتاد أن يرتاد مزرعة الحيوانات بالليل وقد ذعرت الحيوانات لهذا حتى إنها أصبحت لا تكاد تنعم بسباتها، وأصبحت غزوات سنوبول الليلية شيئًا متكررًا؛ فهو يسرق الغلال تارة أو يسكب اللبن تارة أخرى، وربما كسر البيض المجموع والمعد للبيع أو قذف بالتقاوى المعدة للزراعة أو نخر أشجار الفاكهة!
 
وكلما حدثت حادثة نسبت إلى سنوبول: فإذا ما كسر الزجاج أو سدت مواسير المياه فإنها كانت ترجع السبب إليه.
 
ولما ضاع مفتاح المخزن زعمت أن سنوبول سرقه، ثم قذف به إلى أعماق البئر، واستمرت الحيوانات على زعمها حتى بعد أن وجدت المفتاح، وقد أعلن البقر أن سنوبول كان يداهمه ليلاً ثم يحلبه، وحينما أثارت الفئران بعض المتاعب زعمت الحيوانات أنها تأتمر بوحى سنوبول!
 
وأصدر نابليون أوامره بالقيام بتحقيق كامل عن نشاطات سنوبول؛ كما خرج فى جولة تفتيشية لتفقد جميع منشآت المزرعة تحوطه كلابه، ثم تتبعه عن بعد بقية الحيوانات على استحياء!
 
- چورج أورويل، مزرعة الحيوانات 
ترجمة: شامل أباظة
 
 

 

في المقابل

بعض المصطلحات التي نستخدمها ليس لها معنى خاص في علم البيولوجيا، وأبرزها "التعاون" و"المعاملة بالمِثل". فلا يوجد أي تعريف بيولوجي خاص يختلف عن تعريفها العام.

التعاون سلوك يستفيد منه الطرفان في الوقت نفسه، ولا يوجد أي تكلفة يدفعها الطرفان المتعاونان. والمعاملة بالمثل شكل من أشكال التبادل الاجتماعي المشترك؛ فأنت تسدي إليَّ معروفًا وفي المقابل أقدِّم أنا لك خدمة. وقد أتكبد بعض التكلفة الآن لكى أنفعك، في مقابل أن تتكبد أنت الآخر المشقة كى تنفعني فى المستقبل. إن مشاركة المعروف في إطار التبادل المشترك قد يمتد زمنيًا؛ فتمِد يد المساعدة الآن كي تجد من يمد لك يد العون لاحقا.

ولا شك أن التعاون والمعاملة بالمثل لا يعتبران -عامةً- فضيلة أخلاقية لدى البشر، ولا يعد قصورهما دلالة على الشر. ولعل هذا هو السبب في عدم بذل أي جهد لمنح هذه المفاهيم معنىً خاصًا في العلوم، إذ إنها لا تحمل في طياتها أي ثقل أخلاقي.
 

من كتاب "العدالة في عالم الحيوان: الحياة الأخلاقية للحيوانات"
 
 

 
Some of our terms have no special meaning in biology, notably cooperation and reciprocity. There’s no special biological definition that is distinct from ordinary usage.
 
Cooperation is behavior in which both parties benefit at the time of the interaction. There is typically no cost to the cooperators, only benefit. Reciprocity is a form of mutual social exchange—you scratch my back and I’ll scratch yours. I may incur some cost now, in order to benefit you, with the expectation that you will later incur some cost to benefit me. In reciprocal exchange, the sharing of favors sometimes stretches out in time—you help now so that later you might in turn be helped.
 
Of course, neither cooperation nor reciprocity are generally considered moral virtues in humans, nor is the lack of these behaviors the mark of an evil or bad person. This is perhaps why no effort has been made to give these concepts a special meaning in science, for they don’t carry much moral weight. 
 
 
- Wild Justice: The Moral Lives of Animals
 

 

 

Wednesday, October 18, 2023

1850

 The year 1850: Edgar Allen Poe and John James Audubon have just died in New York City — Poe in abject poverty and Audubon in the midst of his Viviparous Quadrupeds of North America.


Lieutenant M. F. Maury is at work on a map of whale distributions throughout the oceans of the world, a classic still consulted by historians and biologists today. Charles M. Scammon is sailing to California from his native Maine; soon disenchanted with digging for gold, he would find a whaling brig to command and later write one of the nineteenth century’s finest zoological studies of marine mammals. Thoreau is revising Walden.

 A journalist in Brooklyn, Walt Whitman, is writing poems that will appear in a slim volume called Leaves of Grass. Harriet Beecher Stowe, an ardent abolitionist, is writing Uncle Tom’s Cabin; or, Life Among the Lowly; when it is published the following year, Uncle Tom's Cabin helps to solidify Northern opposition to slavery, leading to the American Civil War. Nineteen-year-old Emily Dickinson begins composing verse in Amherst, Massachusetts, writing to a former schoolmate: ‘The shore is safer, Abiah, but I love to buffet the sea — I count the bitter wrecks here in these pleasant waters, and hear the murmuring winds, but oh, I love the danger!’


Herman Melville, the celebrated author of Typee, a novel based on travels aboard a whaler in the South Pacific, is whipping up his latest whaling yarn, overdue at his London publishers. After meeting Nathaniel Hawthorne in the Berkshire Mountains, he moves to Arrowhead, a 160-acre farm near Hawthorne’s home. Melville spends all of 1850 and most of 1851 transforming his adventure into Moby-Dick.

 

       - Joe Roman, Whale (Animal Series)

 

Whale chart, finished by U. S. Navy Lieutenant M. F. Maury  in 1851

 


Monday, October 16, 2023

محيط بلون أبيض

 

وعلى الرغم من الأصوات المليئة بالفرح -بعد صيد الحوت- تظهر مشاعر مختلطة على بعض القوارب. ولقد كتب "إينوك كلاود" يقول بعد أن صَرَعتْ سفينته حوتًا صائبًا:
 
«استدارت بسرعة ورفعت رأسها الهائل الحجم فوق سطح الماء وثبتت عينيها على القارب وعندها بدأت تخور بشدة، وببطء هدأت تمامًا!»
 
لقد كان ذلك أكثر مشهد مرعب شهدته... من المؤلم مشاهدة موت أصغر المخلوقات التي خلقها الرب، فما بالكم بمخلوق كالحوت تحتفظ حياته بكل هذه الحيوية! وعندما رأيت هذا؛ أضخم وأكثر المخلوقات إخافة بين الحيوانات، وهو ينزف وينتفض ويموت ضحية مكر الإنسان، كانت مشاعري خاصة بالفعل!
 
قد لا يعبِّر صيادو الحيتان عن مثل هذا التعاطف مع طريدتهم، لكن موت أم مع صغيرها يمكن أن يكسر حتى أقسى المظاهر المتصنعة: فلقد قال أحد الصيادين:
 
(عندها تشعر بهذا السوء، فعندما نقتل الأم فإن الحليب الذي ترضعه لصغيرها ينساب منها ليجعل المحيط حولنا بلون أبيض).
 

د. چو رومان
من كتاب "الحوت: التاريخ الطبيعي والثقافي"
 
© Mike Korostelev

 
 
Despite the ‘joyful’ sounds, some on the boats had mixed emotions. After his ship had struck a right whale, Enoch Cloud wrote:
 
"She quickly ‘slued’ around, raised her enormous head out of the water, fixed her eyes on the boat, and then bellowing commenced, slowly, ‘sterning off!’
 
It was the most terrible sight I ever witnessed . . . It is painful to witness the death of the smallest of God’s created beings, much more one in which life is so vigorously maintained as the Whale! And when I saw this, the largest and most terrible of all created animals bleeding, quivering, dying a victim to the cunning of man, my feelings were indeed peculiar!"
 
Whalers may not have expressed much sympathy with their quarry, but the death of a mother with calf could break even the toughest façade: ‘That’s when you feel it’, said one whaler, ‘when we killed the mother the milk made the ocean white all around us.’
 
 
       - Joe Roman, Whale (Animal Series)
 

Wednesday, October 11, 2023

عمود من الضباب الرقيق

 

عادةً ما تكون الإشارة الأولى على وجود الحوت، هي زفيره الذي يمكن إيجاز وصفه بأنه عمود من الضباب الرقيق يُرى عبر المحيط.
 
وبالنسبة لبعضهم، فإن هذه النفخة كانت مثل المدخنة، فالمسافرون العرب القدماء كانوا يرون المآذن أو أشرعة السفن البعيدة.‏ وفي حال كان الرذاذ قريبا بما يكفي، تنتشر رائحة كريهة ورذاذ مخاطي مالح.
 
ولقد عزّز زفير الحوت الخوف قلوب البحارة الأوائل؛ إذ اعتقد النرويجيون أن الحيتان يمكنها إطلاق ما يكفي من الماء لإغراق قارب، في حين شعر آخرون بالخوف من استنشاق الهواء الرطب، معتقدين أنه يسبب الدوار ونوبات الإغماء، وربما الموت، وأن بضع قطيرات صغيرة من أنفاس الحوت السامة يمكنها ان تسبب طفحًا علي جلد الإنسان.
 
د. چو رومان
من كتاب "الحوت: التاريخ الطبيعي والثقافي"

© Richard Nelson



Viewed across the ocean, the whale’s exhalation, condensed into a visible column of mist, was usually the first indication of a whale’s presence.
 
To some, this blow was a chimney. Early Arabian travellers saw minarets, or the sails of a distant ship. If the spray was close enough, a colossal stench and a drizzle of briny mucous.
 
The whale’s spout fostered fear in early sailors: Norwegians believed that whales could spout enough water to swamp a boat. Others feared that inhaling the moist air could cause dizziness and fainting fits, possibly death; just a few droplets from the whale’s toxic breath could raise a rash on human skin.
 
- Joe Roman, Whale (Animal Series)
 

Friday, October 6, 2023

غِش القهوة

ويمكن للمرء أن يرى لمحة من أساليب التفتيش على الطعام عن طريق متابعة سلعة معينة حظيت باهتمام خاص من جانب مسئولي الصحة ألا وهي البُن. في عام 1863 أوضح الكشف الدوري على البُن الذي تم جمعه من خمسة عشر تاجرًا أن جميع العينات كانت مغشوشة: كان بعضها مغشوشًا بحبوب غنية بالنشا، والبعض الآخر مخلوطًا بقشور البندق المطحونة، في حين كان بعضها خليطًا من الحمص والشعير المحمص وتخلو تمامًا من البُن.

 وذكر تقرير ديوان تفتيش صحة المحروسة: «ولا يخفى خطر الغش... لأن البُن... مادة غزائية ضرورية جدًا وجيدة للصحة متى كان نقيًّا، [ولكن] يمكن أن يصير سببًا لسقامة قليلة أو كثيرة في البنية متى كان مغشوشًا بجواهر غريبة، وهذه الحالة مؤزية لعموم العالم بسبب الخطر الحقيقي الناتج عنها». أما بخصوص العينات المضبوطة فوُجِدت كلها معيبة؛ البعض منها "مخلوط‏ مكون من بن وحبوب نشوية... [والبعض الآخر به] بُن وقشر بندق وحبوب نشوية... أو ليس محتويا إلا على حمص محمص... أو مكون من حمص وشعير". (*)

 بعد عدة سنوات، أظهر تحليل آخر لأربع عينات من البُن أن ثلاثًا منها كانت مغشوشة برغم أنها لم تضم أي مواد سامة. وأعلن التقرير أن من يغشون البُن بمواد أخرى لا يختلفون عن اللصوص في شيء. ولكن، حيث إن اهتمام التقرير كان منصبًّا على الصحة لا الأخلاق، فقد أضاف في حاشية «حيث إن من يتعاطى القهوة في القهاري المعتادة هم الفقرا في الغالب وأن القهوة في حد ذاتها منشطة ومغذية فإذا كانت مغشوشة فلا يحصل منها تلك الفوايد... لا سيما للشغالة بعد أتعابهم طول النهار، فيخسرون [بذلك] دراهم بلا فايدة، والقهوجي أو دقاق البُن يُعد من السارقين في صورة بائعين. فالأمل [أي المرجو] ملاحظة ذلك بمعرفة من يلزم». (**)

 

 

 
تأليف: خالد فهمي
ترجمة: حسام فخر
 

 

 

Thursday, October 5, 2023

The Origins of People Pleasing - The School of Life

There is a kind of person who seems, on initial acquaintance, to be astonishingly in agreement with us on all major and minor topics. Whatever political statement we make wins their accord. Wherever we want to go chimes with their wishes. They have come to identical conclusions on every book and film we mention. They find exactly the same things funny; they were just about to suggest exactly the same kind of sandwich filling for lunch.

It seems as if we have chanced upon a long-lost twin or divine soulmate, but the reality is more prosaic and complicated. The other’s boundless propensity to be aligned with us springs not from some magical twinship of the psyche, but from their terror of the consequences of disagreement. The people pleaser has imbibed an impression that voicing contrary opinions, from what to eat to how to run a company or a nation, will be met with titanic fury or vengeful disappointment. They agree with us from a sense that it would be impossible to say authentically what they thought and survive as an object of regard and affection.

The people pleaser is likely to have started life as the offspring of a parent with particular ruthlessness around diverging views. In the initial family setting, there might have been only one right way to organise a meal, one right place to go on holiday and one right way to polish shoes, and it was certainly not for a child to decide which these might be. Alternatively, a beloved but fragile-seeming parent might have collapsed at the slightest sign of protest or independence, and implicitly accused a child of endangering their sanity or life through their ‘wilfulness’.

 


As a result, the people pleaser labours under a punishing internal directive never to utter their own thoughts. Or, worse, they may have stopped even having them; they aren’t just keeping quiet, they have nothing left to keep quiet about. They still have ringing in their ears, perhaps many decades after they first heard them, voices that advise them in the sternest ways not to be so silly, to shut up and listen, to not get above their station and to obey their betters. Self-hatred has destroyed the development of their own minds. 

Liberation begins with an idea that might at first sound disorienting and frightening: that whatever the people pleaser’s early experience might have taught them, most humans do not in fact find those who agree with them on everything very pleasing. Despite the occasional charms of compliance, an unbounded servility grates, and for good reason: we sense the danger in such passivity, we know that someone who will tell us only what we want to hear will be a risk to our understanding of the world and keep us blind to vital sources of challenging information. Paradoxically, people pleasing doesn’t please.

Along the way, these unfortunates must be given a chance to trust in an idea that would at one time have seemed deeply taboo: that they can afford to think of themselves as centres of original perception and novel thoughts, some of which may be of supreme importance and validity, even when they don’t immediately align with fashionable opinion or received wisdom. 

Through the case of people pleasers, we glimpse the surprising origins of good thinking in the experience of love. Feeling loved is what enables us to use our minds imaginatively and freely. To have felt truly cared for is to have surmised that we do not need to toe the line faithfully at all points in our speculations and that others can cherish us even as we raise contrasting or challenging points of view. What the lucky ones among us understood from the outset, people pleasers must learn painfully and intellectually: that with sufficient self-love, it need not always feel like an impossible gamble to nurture and disclose the contents of our own minds.


Tuesday, October 3, 2023

أمام الناس

الرهاب الاجتماعي منشؤه هو الخوف من ردود الفعل السلبية للناس: خوفك من ردة فعل الجمهور عندما تغني كاريوكي، على سبيل المثال. نحن لا نخاف العنف والعدوان فقط؛ مجرد الاستهجان يكفي ليوقفنا عن حركتنا .حقيقة أن الآخرين يمكن أن يكونوا مصدرًا قويًّا للرهاب، تعطينا مثالًا آخر على كيف يقوم المخ باستخدام الآخرين، ليحدد كيف يرى العالم وموقفه منه. وكنتيجة لذلك، قبول الآخرين له أهمية كبيرة، غالبًا بصرف النظر عمن يكونون.

الشهرة هي أحد الأشياء التي يسعى وراءها ملايين البشر، وهل الشهرة إلا قبول الغرباء لنا؟ قمنا من قبل بالحديث عن مدى أنانية المخ، بالتالي ربما كل المشاهير يتوقون إلى قبول الجماهير فقط! هذا أمر محزن قليلًا (إلا إذا كان أحد أولئك المشهورين ممن مدح هذا الكتاب) .يظهر القلق الاجتماعي عندما تجتمع نزعة المخ إلى توقع النتائج السيئة والقلق منها، مع احتياج المخ إلى الاستحسان والقبول الاجتماعي. 

الحديث عبر الهاتف يعني التفاعل دون أي من الإشارات المعتادة الموجودة في الحديث الشخصي في الواقع، لذلك بعض الناس (مثلي) يجدون ذلك صعبًا للغاية، ويصيبهم الهلع خشية أن نسيء لمن نتحدث معه أو نصيبه بالضجر. دفع أموال مشترياتك وخلفك طابور طويل يمكن أن يكون موترًا للغاية، لأنك واقعيًّا تعطل العديد من الأشخاص المحدقين فيك، بينما تحاول أنت استخدام مهاراتك في الرياضيات لتحسب قيمة مشترياتك.

هذه المواقف وغيرها الكثير تفتح للمخ مجالًا للتفكير في الطرق التي يمكنك أن تقوم فيها بإزعاج أو إغضاب الآخرين، فتحصل على تعليقات سيئة وتسبب الإحراج لنفسك. يرجع الأمر كله إلى القلق من الأداء(Performance Anxiety) ؛ قلقك من أن تخطئ أمام جمهور من الناس.

لا يمثل ذلك لبعض الناس أي مشكلة، بينما يمثل مشكلة بالنسبة لآخرين. توجد العديد من التفسيرات لكيفية نشوء هذا، لكن إحدى الدراسات التي أجرتها روزليند ليب (Roselind Lieb) وجدت أن أساليب تربية الأطفال (Parenting Styles) ترتبط باحتمالية الإصابة بأحد اضطرابات القلق، ويمكنك أن ترى المنطق وراء ذلك.

الآباء المفرطون في نقد أبنائهم، يمكنهم أن يزرعوا فيهم خوفًا مستمرًا من أن يزعجوا أحدًا، حتى لو بأفعال بسيطة. في حين أن الآباء المفرطين في حماية أبنائهم يمكنهم أن يمنعوهم من أن يجربوا أي نتائج سلبية لأفعالهم، فعندما يكبر الأبناء ويبتعدون عن حماية آبائهم ويقومون بفعل أي شيء له مردود سلبي، لا يكونون معتادين هذا، فيؤثر عليهم الأمر بشكل أكبر مما يلائم الموقف، مما يعني أنهم سيكونون أقل قدرة في التعامل مع الموقف، وستزيد احتمالية خوفهم من أن يحدث هذا مجددًا.

حتى مجرد تكرار جملة «الغرباء خطر» على مسامعك بشكل مستمر منذ عمر مبكر، يمكنه أن يزيد من خوفك النهائي منهم لمستوى أبعد من المستوى المعقول.

 ― دين برنيت، المخ الأبله
ترجمة: عيسى عبد الله  
 
The Secret Life of Walter Mitty (2013)
 
Social phobias are based on fear of negative reaction from other people – dreading your audience’s reaction to your karaoke, for instance. We don’t fear only hostility or aggression; simple disapproval is enough to stop us in our tracks. The fact that other people can be a powerful source of phobias is another example of how our brains use other humans to calibrate how we see the world and our position in it. As a result, the approval of others matters, often regardless of who they are.
 
Fame is something millions of people strive for, and what is fame but the approval of strangers? We’ve already covered how egotistical the brain is, so maybe all famous people just crave mass approval? It’s a bit sad really.
 
Social anxieties occur when the brain’s tendency to predict and worry about negative outcomes is combined with the brain’s need for social acceptance and approval. Talking on the telephone means interacting without any of the usual cues present in person, so some people (like me) find it very difficult and we panic that we’ll offend or bore the other individual.
 
Paying for shopping with a large queue behind you can be nerve-racking as you’re technically delaying a lot of people who stare at you while you try to use your maths skills working out the payments. These and countless similar situations allow the brain to work out ways in which you’ll annoy or frustrate others, earning negative opinions and causing embarrassment. It boils down to performance anxiety; the worry about getting things wrong in front of an audience.
 
Some people have no issues with this, but some have the opposite problem. How this comes about has a variety of explanations, but a study by Roselind Lieb found that parenting styles are associated with likelihood of developing anxiety disorders, and you can see the logic here.
 
Overly critical parents can instil in a child a constant fear of upsetting a valuable authority figure for even minor actions, whereas overprotective parents can prevent a child from ever experiencing even minor negative consequences of actions, so when they’re older and away from parental protection and something they do does cause a negative outcome, they’re not used to it, so it affects them disproportionately, meaning they’ll be less able to deal with it and will be way more likely to fear it happening again.
 
Even having the dangers of strangers drummed into you constantly from an early age can enhance your eventual fear of them to beyond-appropriate levels.
 

Dean Burnett, Idiot Brain





Sunday, October 1, 2023

Wild Fruit

“Agricultural improvements have rendered fruits in a supermarket, such as apples, bananas, and strawberries, far higher in quality than their wild ancestors. In our laboratory at Harvard, nutritional biochemist Nancy Lou Conklin-Brittain finds that carrots contain as much sugar as the average wild fruit eaten by a chimpanzee in Kibale National Park in Uganda.”

 

―  Richard W. Wrangham, Catching Fire: How Cooking Made Us Human

 


المعنى وغيابه

  Place des Lices, Paul Signac تحاول ثقافتنا المادية تفسير الإيثار على أنه نابع من دوافع أنانية. وكثيرًا ما يُقال بسخرية إن الأشخاص الذين يت...