Friday, October 6, 2023

غِش القهوة

ويمكن للمرء أن يرى لمحة من أساليب التفتيش على الطعام عن طريق متابعة سلعة معينة حظيت باهتمام خاص من جانب مسئولي الصحة ألا وهي البُن. في عام 1863 أوضح الكشف الدوري على البُن الذي تم جمعه من خمسة عشر تاجرًا أن جميع العينات كانت مغشوشة: كان بعضها مغشوشًا بحبوب غنية بالنشا، والبعض الآخر مخلوطًا بقشور البندق المطحونة، في حين كان بعضها خليطًا من الحمص والشعير المحمص وتخلو تمامًا من البُن.

 وذكر تقرير ديوان تفتيش صحة المحروسة: «ولا يخفى خطر الغش... لأن البُن... مادة غزائية ضرورية جدًا وجيدة للصحة متى كان نقيًّا، [ولكن] يمكن أن يصير سببًا لسقامة قليلة أو كثيرة في البنية متى كان مغشوشًا بجواهر غريبة، وهذه الحالة مؤزية لعموم العالم بسبب الخطر الحقيقي الناتج عنها». أما بخصوص العينات المضبوطة فوُجِدت كلها معيبة؛ البعض منها "مخلوط‏ مكون من بن وحبوب نشوية... [والبعض الآخر به] بُن وقشر بندق وحبوب نشوية... أو ليس محتويا إلا على حمص محمص... أو مكون من حمص وشعير". (*)

 بعد عدة سنوات، أظهر تحليل آخر لأربع عينات من البُن أن ثلاثًا منها كانت مغشوشة برغم أنها لم تضم أي مواد سامة. وأعلن التقرير أن من يغشون البُن بمواد أخرى لا يختلفون عن اللصوص في شيء. ولكن، حيث إن اهتمام التقرير كان منصبًّا على الصحة لا الأخلاق، فقد أضاف في حاشية «حيث إن من يتعاطى القهوة في القهاري المعتادة هم الفقرا في الغالب وأن القهوة في حد ذاتها منشطة ومغذية فإذا كانت مغشوشة فلا يحصل منها تلك الفوايد... لا سيما للشغالة بعد أتعابهم طول النهار، فيخسرون [بذلك] دراهم بلا فايدة، والقهوجي أو دقاق البُن يُعد من السارقين في صورة بائعين. فالأمل [أي المرجو] ملاحظة ذلك بمعرفة من يلزم». (**)

 

 

 
تأليف: خالد فهمي
ترجمة: حسام فخر
 

 

 

(*)  دار الوثائق القومية، محافظة مصر، ل/١/٤/١، وثيقة رقم ١٣٧، ص 24 و 26، بتاريخ 29 نوفمبر 1863 ميلادية.
(**)  دار الوثائق القومية، محافظة مصر، ل/١/٤/٩ (الرقم الأصلي ٤٥٨)، وثيقة رقم ٧٨٨، ص 50 و 53، بتاريخ 7 سبتمبر 1865 ميلادية.

No comments:

Post a Comment

المعنى وغيابه

  Place des Lices, Paul Signac تحاول ثقافتنا المادية تفسير الإيثار على أنه نابع من دوافع أنانية. وكثيرًا ما يُقال بسخرية إن الأشخاص الذين يت...