في عام 1991، درس الباحثون في ملبورن بأستراليا ما إذا كانت سمات الشخصية تمثل عاملَ خطر في الإصابة بسرطان القولون أو المستقيم. قورن أكثر من ستمئة فرد، ممن شُخِّصوا حديثًا، بمجموعة متطابقة من الأصحاء. وتبين أن مرضى السرطان كانوا أكثر ميلًا بدرجة ملحوظة إلى إظهار السمات التالية: «عناصر إنكار وقمع الغضب والعواطف السلبية الأخرى... المظهر الخارجي لشخص «لطيف» أو «طيب»، وكبح ردود الفعل التي قد تضايق الغير، وتفادي النزاعات... وقد قيس خطر الإصابة بسرطان القولون أو المستقيم في هذا النموذج بمعزل عن عوامل الخطر المكتشَفة سابقًا بما فيها الحمية الغذائية واستهلاك الخمور والتاريخ الأسري». كانت التعاسة في الطفولة أو الكِبر التي أبلغ عنها المرضى أنفسهم أكثر شيوعًا بين حالات سرطان الأمعاء.
***
وفي حين لا يسعنا القول إن ثمة نوعًا معينًا من الشخصية يسبب السرطان، فإن بعض سمات الشخصية تزيد بالتأكيد من الخطر، لأنها من المرجح أن تولِّد ضغوطًا فسيولوجية. يؤدي القمع والعجز عن قول لا وقلة الوعي بالغضب إلى زيادة احتمالية أن يجد المرء نفسه في مواقف يعجز فيها عن التعبير عن عواطفه ويتجاهل فيها الآخرون احتياجاته ويستغلون لطفه. تستحث هذه المواقف الضغط النفسي، سواء كان المرء واعيًا بها أم لا. وبينما تتكرر وتتراكم على مر السنين، يصبح لديها القدرة على الإخلال بتوازن الجسم وبجهازه المناعي. إن الضغط النفسي –وليس الشخصية في حد ذاتها– هو الذي يقوض التوازن الفسيولوجي والدفاعات المناعية، مما يهيئ الجسم للإصابة بالمرض أو يقلل من مقاومته له.
***
الطريقة التي ينشأ بها الناس تشكل علاقتهم بأجسادهم ونفسياتهم. تتفاعل سياقات الطفولة العاطفية مع الطباع الفطرية لتسفر عن سمات الشخصية. إن أغلب ما نسميه بالشخصية ليس مجموعة ثابتة من السمات، وإنما آليات تكيف اكتسبها المرء في مرحلة الطفولة. ثمة فرق مهم بين السمة المتأصلة، المتجذرة في الفرد بغض النظر عن بيئته، وبين الاستجابة إلى البيئة، نمط السلوكيات الذي يتطور لضمان النجاة.
***
عندما كنت تشعر في طفولتك بالحزن أو الغضب أو الانزعاج، هل كان لديك شخص
يمكنك التحدث إليه حتى وإن كان هو أو هي من أثار عواطفك السلبية؟
في ربع القرن من ممارستي السريرية، بما فيها عقد كامل من العمل في الرعاية
التلطيفية، لم أسمع قط أحدًا مصابًا بالسرطان أو بأي مرض أو حالة مزمنة
يجيب بنعم عن هذا السؤال. لقد تكيف العديد من الأطفال على هذا النحو ليس
بسبب أي أذى أو سوء معاملة مقصودة، ولكن بسبب أن الوالدين نفسهما كانا
ينزعجان من القلق أو الغضب أو الحزن الذي يحسانه في أطفالهما، أو كانا
ببساطة مشغولين أكثر من اللازم، أو منهكين أكثر من اللازم لدرجة لا تسمح
لهما بالاهتمام. كانت عبارة «أبي وأمي يريدان مني أن أكون سعيدًا» هي
الصيغة البسيطة التي برمجت عديدًا من الأطفال –الذين أصبحوا فيما بعد
بالغين مضغوطين ومكتئبين أو مرضى جسديًّا– على أنماط طويلة المدى من
القمع.
***
د. جابور ماتيه، من كتاب «عندما يقول الجسد لا»
من فصل: هل توجد شخصية سرطانية؟
![]() |
| © Felipe Portella |

No comments:
Post a Comment