Saturday, February 24, 2024

سماع السكون

 القارب البخاري البطيء


من السهل أن ندرك لماذا يستيقظ النائم بفعل الضوضاء. ولكن ما قد ييدو غريبا، هو أن بعض الناس يستيقظون بسبب "سماع" السكون. ومع ذلك، فإن هذه الظاهرة كثيرًا ما تُشاهَد فى الحياة اليومية. لماذا أعطي مثال القارب البخاري البطيء ؟ لأنني أردت أن أستشهد بربانه، الذى ينام مع أصوات الآلات، ولكنه يستيقظ فورًا حالما تتوقف الآلات لسبب أو آخر. وهكذا فإن "السكون" يوقظه. وهو يستيقظ لأن شيئا غير عادى قد حدث، فقد اعتاد النوم فى حالة معينة من الضوضاء . . . هذا فمن الطبيعي أن يكون لضجيج الآلات أهمية كبرى بالنسبة له، فيظل أمره يشغله أثناء نومه (برغم إرادته طبعا). وهكذا نرى هنا تلك الظاهرة العجيبة، التي تسمى "الاستيقاظ التمييزي".

ولنأخذ مثالا آخر، فها هي ذي أم فى عائلة، مثْقلة بالأعباء، ‌‏والأطفال. وهي تنام مثل أهل الكهف؛ هزها . . لا تتحرك، أطلِق مدفعا بجوارها . . لا رد فعل، استحضر سيارات إطفاء الحريق وهى تعوي بصفاراتها . . تظل عديمة الحركة عميقة النوم. ولكن، ما إن ينبعث من الغرفة المجاورة عويل طفل صغير . . طفلها، حتى تهب هذه الأم فجأة مستيقظة، فتقفز من فراشها وتهرع إلى الطفل. وهذا أيضا من أمثلة «الاستيقاظ التمييزي». فمخ الأم يصبح أقل حصانة عندما تكون المشكلة ذات أهمية خاصة لها: صحة طفلها.

ويمكن بالطبع سرد مئات الأمثلة المشابهة، من الحياة اليومية، ذلك لأن النوم -كما تعرف- هو راحة المخ. وواقع الأمر، أن ‎النوم ‏يقطع التيار الداخِل الذى يربطنا بالعالم الخارجي. إلا أنه يبدو أن هذا القطع أو التباعد عن العالم ليس كاملا، بدليل الأمثلة التى سردتها للتو، والتي لابد أنك خبرت الكثير من أمثالها بنفسك.

هل سكنت يومًا بجانب خط للسكك الحديدية؟ لابد أنك ظللت أسبوعا أو اثنين تسب وتلعن كل مرة يمر فيها القطار، وهو يهز المنزل ويزلزل الأرض تحته، مما يجعلك تستيقظ بالطبع. ولكن رد الفعل اللاإرادى يتكون لديك تدريجيا، فتعتاد مرور القطار السريع وأنت غارق فى أعماق النوم. ثم يحدث في إحدى الليالي، أن يتأخر قطار الساعة الثانية عشرة والربع . .‏ فتستيقظ. وهكذا ترى أنه لا يوجد خمول عقلي كامل (على الأقل في حالة النوم الطبيعي)، إذا ما تذكرنا "الاستيقاظ التمييزي" الذى أشرت إليه.



- من الفصل الأول: من هو مورفيوس؟
- من كتاب: «النوم فن»
- ترجمة: أحمد رضوان

The Siesta, Vincent van Gogh



Saturday, February 17, 2024

الروابط

عماد الذاكرة هو الوصلات العصبية الموجودة في الدماغ. وكون الروابط هي أساس الذاكرة يمثل نقطة مهمة للغاية، لأن الذكرى إن كانت مزيجًا معينًا من الروابط، فلا يوجد ما يمنع من إضافة المزيد من الروابط لهذه الذكرى في وقت لاحق.

على سبيل المثال، كان والدي يهديني الملابس في عيد الميلاد، لذا لدي قمصان كثيرة أهداها لي. وهذا لم يكن مشكلة في السابق، ولكن منذ رحيله، أصبح مجرد ارتداء أحدها غريبا ومحزنا. وأقول إن القمصان نفسها حزينة الآن حين أراها، بل تجعلني حزينا لأنها تذكرني بوالدي. فقد أدخلت وفاة والدي عنصرا عميقا من الحزن في كل ذكرياتي المرتبطة به، بما في ذلك الذكريات المتعلقة بمصدر القمصان المعلقة في خزانتي. وأصبحت الأشياء الجامدة التي لا تتغير الآن تثير استجابة عاطفية لأنها مرتبطة بذكريات شخص معين.

تشير الدراسات إلى أن هذا هو السبب الرئيسي لامتلاك الناس للأشياء التذكارية والموروثات. فلا يلزم أن تجلب لنا جميع مغناطيسات الثلاجة أو كرات الثلج الزجاجية السعادة بذاتها. وإنما تساعدنا هذه الأشياء على تذكر الأشخاص أو الأحداث المرتبطة بها في ذاكرتنا.

ويكتسب هذا أهمية خاصة عند الكبر، حيث يملك الواحد منا ذكريات أكثر مما يمكن أن يتطلع إليه. فصور أجدادنا وموروثاتنا منهم قد تبدو عبثية، ولكن الأبحاث تربط بين عدم وجود مثل هذه الأشياء لدى الكبار والحزن أو الميل إلى الاكتئاب.

وقد يكون لهذه العملية وجها سلبيا كذلك، حيث يؤكد أي شخص تعرض لتجرية انفصال سيئة وألقي بكل ما يتعلق بشريكه السابق (أو حتى حرقها). والمبدأ واحد في الوضعين: لا يكره المرء الأشياء الجامدة لدرجة تدعو إلى تدميرها، بل تجعلك تتذكر الشخص الذي أصبحت تكرهه. وإذا كانت الأشياء "تمثل" ذاك الشخص في ذاكرتك، فتدميرها قد يتيح فرصة للتنفيس عن الغضب المكبوت الذي تشعر به بطريقة غير مؤذية للغير.

ولهذا عيوب، من بينها أن تثبيط الذكريات غير السارة أو تجنبها يؤثر في التثبيت ويضعف القدرة على الاسترجاع. بعبارة أخرى: عدم استخدام الذاكرة يصعِّب تذكُّرها لاحقا.

قد تظن أن هذه ميزة إيجابية، خاصة في حالة تجرية الانفصال السيئة، ومع ذلك، هناك سبب وجيه لتمتع الذكريات العاطفية بالقوة: إنها مفيدة. بالطبع لا يسعدنا تذكُّر تجربة الانفصال‏ السيئة بوضوح شديد، ولكن ماذا لو تورطت فيما بعد في علاقة عاطفية جديدة مع شخص يمتلك كثيرا من الصفات المشابهة لشريكك السابق؟ فنحن ننجذب عادة إلى "نوع" ‎معين من الشركاء، وقد تمنعك ذكرى الألم الذي تعرضت له في الماضي من اتخاذ قرارات خاطئة أو غير مجدية الآن. وبهذه النظرة يمكن أن نعد كبت الذكريات العاطفية كأن تنسى أنك تعاني حساسية من طعام معين. ليست ذكرى لطيفة، ولكنها بالتأكيد مفيدة.

من ناحية أخرى، تبالغ أدمغتنا في دفع هذه العملية أحيانا، فتصيبك الذكريات الحية لتجربة انفصال سيئة بالشك والارتياب من أي علاقة عاطفية تالية، مما يجعلك تفسد بيديك محاولات تجاوز الماضي والعثور على السعادة. وبالمثل، قد يطول حزنك ويظل قويا بسبب استرجاع ذكريات شخص ميت تحبه على الدوام، مما يضعف قدرتك على التكيُّف مع الواقع وتقبله والمضي قدما قي الحياة.

بشكل عام، قد يكون كبت الذكريات ضارا في بعض الأحيان، وأحيان أخرى قد يكون نافعا. كيف نعرف؟ إذا توصلت إلى إجابة هذا السؤال فقل لي أنا وقل للعالم كله.



دين برنيت، من كتاب: الغباء العاطفي
ترجمة: عمر العوضي
 
 

 
 
 Memory is based on connections in the brain. This point about connections being the basis for memory is a crucial one, because if a specific memory is a specific combination of connections, then there’s no reason why more connections couldn’t be added to this memory later.
 
For instance, my father often bought me clothes as a Christmas present, so I have a lot of shirts from him. I had no problem with them before, but since his passing, it feels weird, melancholy even, to wear them. It’s not that I see these shirts and think, ‘These are sad shirts now’. No, the shirts make me sad, because they remind me of Dad. My father’s death inserted a profound element of sadness into all my memories connected to him, including those concerning the origins of the shirts hanging up in my cupboard. The inanimate, unchanged garments now trigger an emotional response, because they’re connected to memories of a specific person.
 
Studies suggest this is largely why people have keepsakes and heirlooms. It’s not that all those fridge magnets or snow globes necessarily make us happy in their own right. Rather, they help us remember the people, or events, that they’re connected to in our memories.
 
This can be particularly important in old age, when we have more memories but less to look forward to. Our grandparents’ pictures and knickknacks may look like pointless clutter to us, but research reveals that a lack of keepsakes or memorabilia in older people is linked to low mood or depressive tendencies.
 
This process can be negative, too, as anyone who’s gone through a bad breakup and thrown out (or even burnt) everything associated with their ex would attest. It’s the same principle: you don’t hate the inanimate objects with destructive intensity, but they make you remember a person you now do hate. And if the objects ‘represent’ that person in your memory, actively destroying them could provide some helpful catharsis for the pent-up anger you feel, in a way that doesn’t hurt anyone.
 
There are downsides to this, though. Suppressing/avoiding unpleasant memories seems to inhibit consolidation, which impairs recall. To put it another way: by not engaging with the memory, it’ll be harder to remember it later.
 
This may sound like a positive, especially if it’s a particularly bad breakup. However, there’s a reason that emotional memories are so potent: they’re useful. It’s not nice to remember a bad breakup with intense clarity, but what if you later get romantically involved with someone new, who has many similar qualities to your ex? People often have a ‘type’, after all. Remembering the anguish experienced the last time may prevent you from making similar mistakes or unhelpful decisions now. In this way, suppressing such emotional memories can be like forgetting you’re allergic to a certain food; it’s not a nice memory, but it’s certainly a helpful one.
 
On the other hand, our brains sometimes push this process too far. Vivid memories of a bad breakup can make you paranoid and suspicious about any future romantic involvement, which is self-sabotaging, preventing you from moving on and finding happiness. Similarly, constantly triggering memories of a deceased loved one can keep the grief very potent, hindering your ability to cope and find acceptance, to ‘move on’.
 
Basically, sometimes it’s bad to suppress emotional memories, and sometimes it’s good. How can you tell which one is which? If you figure that out, do let everyone know.
 

  Dean Burnett, Emotional Ignorance

 
 


Performance Anxiety

 مع أن الجينات تساهم في تشكيل الشخصية النهائية،‏ يشير الأغلب إلى الخبرات التي يخوضها الفرد خلال نموه ويعتبرونها العامل الرئيسي في إصابته برهاب المسرح (أو السمات الشخصية التي تهيئ له).

على سبيل المثال: تذكر عُقد الارتباط كثيرا. فالعلاقة بين طفلك الداخلي ووالديك (أو مقدم الرعاية الأساسي) مؤثرة للغاية في النمو بشكل عام. فلنفترض أن أحد والديك متحفظ، لا يعبر عن استحسانه إلا نادرا. بصفتك طفلا، قد تنشأ على المبالغة في تقدير استحسانه وتخشى عدم استحسانه، لأنه نادرا ما يمنحك إياه، وعدم حصولك عليه يشعرك بالفشل الشديد.

كل هذا يحدث في سن مبكرة لم يستكمل فيها عقلك تشكله ولم يفهم بعد كيف تسير الأمور. وقد تكون تجربة الطفولة تلك هي الأساس الذي يقوم عليه تصورك وفهمك للاستحسان فيما بعد، مما يرفع أهمية استحسان الآخرين بالنسبة إليك بشكل غريزي ويُكسبك حساسية مفرطة لغيابه. وعليه، تصاب برهاب حاد من المسرح.

وما ينبغي أن يكون واضحا الآن هو أن عواطفنا ليست المسؤولة الوحيدة عن رهاب المسرح بأي شكل، فلم يكن ليصيبنا الخوف والقلق من فكرة استياء الجمهور ما لم يقرر عقلنا أنه أمر واقع أو حتى محتمل. لكن في الغالب، يظهر رهاب المسرح بسبب التفكير الزائد في الموقف. ويدعم هذا الادعاء دراسات كثيرة تشير إلى إمكانية خفض رهاب المسرح أو تلطيفه من خلال التفكير في الموقف بشكل مختلف وتدريب الذات على اعتبار تلك الإثارة أو التوتر حماسا.

وعموما، يكشف هذا النوع من الرهاب أن العمليات العقلية التي نفترض أنها منطقية قد تدخل الإنسان في تجربة عاطفية غير مفيدة أو منطقية على الإطلاق.



دين برنيت، من كتاب: الغباء العاطفي
ترجمة: عمر العوضي

© titaniumdoughnut


While there are some genetic aspects of eventual personality types, most point to an individual’s developmental experiences as the key factor in eventual performance anxiety (or personality traits that predispose to it).

For instance, attachment issues come up a lot. The bond between your child self and your parent (or primary caregiver) is seriously important for your overall development. So, say you have a particularly aloof parent who rarely expresses approval. As a child, you may end up valuing their approval much more, and/or dread disapproval, because they so rarely give approval that disapproval feels like a serious failure.

This all happens when you’re very young, your brain is still forming, learning how everything works. This childhood experience could therefore form the basis of your lifelong perception and understanding of approval, causing your adult self to instinctively assign an above-average importance to the approval of others, with a corresponding sensitivity to disapproval. And so, you get serious stage fright.

What should be clear by now is that our emotions are by no means solely responsible for stage fright. We wouldn’t respond with fear and anxiety to the idea of being booed by an audience if our cognition hadn’t decided it was a real, even likely, outcome. Stage fright often comes down to overthinking the situation. Backing this up are studies suggesting that performance anxiety can be reduced or alleviated if you think about it differently, by coaching yourself to recast arousal and tension as excitement.

Overall, stage fright reveals that our supposedly rational brain processes can easily result in illogical, unhelpful emotional experiences
.

 

  Dean Burnett, Emotional Ignorance

المعنى وغيابه

  Place des Lices, Paul Signac تحاول ثقافتنا المادية تفسير الإيثار على أنه نابع من دوافع أنانية. وكثيرًا ما يُقال بسخرية إن الأشخاص الذين يت...