Thursday, August 15, 2024

من سيموت أوّلًا؟

من سيموت أوّلًا؟ تقول إنها تريد أن تموت أولًا لأنها ستحسّ بوحدة وحزن قاتلين من دوني، خاصة لو كان الأولاد قد كبروا وانتقلوا للعيش في مكان آخر. هي متصلبة حيال هذا. كما تظن أن شيئا لن يحدث طالما أن هناك أطفالا معتمدين علينا في المنزل. الأطفال ضمانة لبقائنا الطويل النسبي. إننا بأمان طالما أنهم موجودون حولنا. ولكن ما إن يكبروا ويتفرقوا، تود أن تكون أول من يموت . بل تكاد تبدو متحمسة لهذا. تخشى أن أموت فجأة، بطريقة منسلة مختلسة في الليل. ليس هذا لأنها لا تقدر الحياة؛ بل إن تركها وحيدة هو ما يرعبها. الخواء، الإحساس بالظلمة الكونية.

 

أخبرها أنني أريد أن أموت أولا. اعتدتُ على وجودها إلى حدٍّ سأشعر فيه بأنني ناقص على نحو بائس. إننا رؤيتان للشخص ذاته. سأقضي ما تبقّى من حياتي ملتفتا أتحدث إليها. لا أحد هناك، فجوة في المكان والزمان. تدّعي أن موتي سيترك فجوة أكبر في حياتها من ما سيتركه موتها في حياتي. هذا مستوى خطابنا. الحجم النسبي للفجوات، والهاوية، والفراغات. نخوض جدالات جادة على هذا المستوى. تقول لو كان موتها قادرا على ترك فجوة كبيرة في حياتي، فإن موتي سيخلف هاوية في حياتها، غور عميق هائل. أواجه بعمق كبير أو بصمت. ويمضي الأمر على هذا النحو طوال الليل. لا تبدو هذه الجدالات حمقاء في وقتها. تلك هي القوة التبجيلية لموضوعنا.

 

في الحقيقة أنا لا أريد الموت أوّلًا. لو خُيّرتُ بين الوحدة والموت، سيستغرق مني الأمر جزءً‏ا من الثانية لاتخاذ قرار. ولكنني لا أريد أن أبقى وحيدًا أيضا. كل ما أقوله لبابيت عن الفجوات والفراغات صحيح. موتها سيجعلني مبعثرا، أتحدث إلى الكراسي والوسائد. لا تتركينا نموت، أودُّ الصراخ لسماء القرن الخامس البرّاقة بالغموض والنور اللولبي. اجعلي كلينا نحيا إلى الأبد، في المرض والصحّة، أحمقين، خرفَيْن، بلا أسنان، ببقع على الجلد، شحيحي البصر، مهلوسين. من يقرر هذه الأمور؟

 

- دون ديليلو، ضوضاء بيضاء
- ترجمة: يَزن الحاج 
 
©  Yoshitaka Amano

المعنى وغيابه

  Place des Lices, Paul Signac تحاول ثقافتنا المادية تفسير الإيثار على أنه نابع من دوافع أنانية. وكثيرًا ما يُقال بسخرية إن الأشخاص الذين يت...